قصيده جميلة هجبتني عن حال الأزهر الذي أضحي حاله لا يسر الحبيب
قف في ربوع المجد وابك الأزهرا
[الكاتب: هاشم الرفاعي]
قف في ربوع المجد وابك الأزهرا **** واندبه روضاً للمكارم أقفرا
واكتب رثاءَكَ فيهِ نفثةُ موجَعٍ **** واجعل مدادَكَ دمعَك المتحدرا
المعهد الفرد الذي بجهاده **** بلغت بلاد الضاد أعراف الذُّرَى
سار الجميع إلى الأمام وإنه **** في موكب العلياء سار القهقرَى
لهفى على صرحٍ تهاوى ركنه **** قد كان نبعاً بالفخار تفجَّرا
من كان بهجةَ كل طرفٍ ناظرٍ **** عادت به الأطماع أشعث أغْبَرَا
ما أبقت الأيدي التي عبثت به **** من مجدِه عرضاً له أو جوهرا
لله ما أروي له في الشرق من **** مجد على الأيام واراه الثَّرَى
كم موكبٍ في مصر سار إلى العلا **** قد كان قائد ركبه المتصدِّرَا
عجباً أيدركه الأفول لدى الضحى **** من بعد ما نشر العلوم مبكرا
سل مهبط الثورات عنها إنه **** قد كان ناديها وكان المنيرا
المشعلون لنارها أبناؤه **** تَخِذوا به جنداً هناك وعسكرا
والمضرمون أوارها بلغاؤه **** في نشر روح البذل فاضوا أنهرا
من كل ذي حجرٍ لخير بلاده **** رسم المكيدة للدخيل ودبَّرَا
لا ينثني عن بعثها دمويةً **** أو يدرك النصر المبين مظفرا
سل موئل الأفذاذ من أشياخه **** عن معشرٍ كانوا به أسد الشَّرَى
العاملين لرفعة الإسلام ما **** منهم كهامٌ قد ونى أو قصَّرا
والمبتغين رضا الإله وما ابتغوا **** من حاكمٍ عرض الحياة محقرا
كانوا المنار إذا الدياجي أسدلت **** ثوب الظلام هدى الأنام ونورا
كانوا لمن ظلموا حصون عدالةٍ **** كانوا الشكيم لمن طغى وتجبَّرا
ردُّوا غواة الحاكمين، وغيرهم **** لتملق الأهواء كان مسخرا
لرضائها يبدي الحرام محللاً **** ويدك معروفاً ويبني منكرا
في وجهها وقفوا وهم عزّلٌ وما **** لبسوا سوى ثوب الهداية مغفرا
وإذا رأى منهم همام ريبةً **** ناداه داعي دينه أن يزأرا
ما قامروا بالدين في سبل الهوى **** كلا ولا تَخِذوا الشريعة متجرا
عاشوا أئمة دينهم وحماته **** لا يسمحون بأن يباع ويشترى
ثم انطوت تلك الشموس وإنها **** لأشد إيماناً وأطهر مئزرا
ولقد مضى دهرٌ ونحن مكاننا **** لا نبتغي في العلم حظاً أكبرا
إن كان مجد الأمس لم نلحق به **** أفلا نود غداً نصيباً أوفرا
هذي العلوم وحشوها لغو به **** من كل جيل لا يزال مسطرا
علم نعالجه بفكر جدودنا **** يبدو به الهذر القديم مكررا
إنا نريد من التقدم قسطنا **** ونريد للإسلام أن يتحررا
ونريد أن نسقي الفنون رفيعةً **** تجدي وليست طلسماً متحجرا
ما العلم إلاّ ما تراه لديك في **** لُجَجِ الحياة إذا مضت بك مثمرا
أنى لمن ألفت نواظره الدجى **** عند الخروج إلى السنا أن يبصرا
قد كان تنقيح العلوم وفحصها **** بالبحث من فرض العمامة أجدرا
للمخبر انتبهوا ولا يعنيكم **** من بعد هذا أن نبدل مظهرا
أنكون في دنيا الرقي نعامة **** نخفي الوجوه وقد عرانا ما عرا
ما ضرني إذ نحن نخدع نفسنا **** لو قلت ما أدري وفهت بما أرى
ليس التعصب للأبوة مانعي **** من أن أقول الحق فيه وأجهرا
أترى تعود إلى المريض سلامةٌ **** أم تصرع الأسقام من قد عُمَّرا؟!