ما عاد يجدي.. |
أن تعيد عقارب الساعات.. يوما للوراء |
أو تطلب الصفح الجميل.. |
وأنت تخفي من حياتك صفحة سوداء |
هذا كتابك في يديك فكيف تحلم أن تري.. |
عند النهاية صفحة بيضاء |
الأمس مات.. |
ولن تعيدك للهداية توبة عرجاء |
وإذا اغتسلت من الذنوب |
فكيف تنجو من دماء الأبرياء |
وإذا برئت من الدماء.. فلن تبرئك السماء |
لو سال دمعك ألف عام لن يطهرك البكاء |
كل الذي في الأرض |
يلعن وجهك المرسوم |
من فزع الصغار وصرخة الشهداء |
أخطأت حين ظننت يوما |
أن في التاريخ أمجادا لبعض الأغبياء.. |
*** |
ارحل وعارك في يديك |
وجه كئيب |
وجهك المنقوش فوق شواهد الموتي |
وسكان القبور |
أشلاء غزة والدمار سفينة سوداء |
تقتحم المفارق والجسور |
انظر إلي الأطفال يرتعدون |
في صخب الليالي السود.. |
والحقد الدفين علي الوجوه |
زئير بركان يثور |
وجه قبيح وجهك المرصود |
من عبث الضلال.. وأوصياء الزور |
لم يبق في بغداد شيء.. |
فالرصاص يطل من جثث الشوارع |
والردي شبح يدور |
حزن المساجد والمنابر تشتكي |
صلواتها الخرساء.. |
من زمن الضلالة والفجور |
*** |
ارحل وعارك في يديك |
ما عاد يجدي أن يفيق ضميرك المهزوم |
أن تبدي أمام الناس شيئا من ندم |
فيداك غارقتان في أنهار دم |
شبح الشظايا والمدي قتلي |
ووجه الكون أطلال.. وطفل جائع |
من ألف عام لم ينم |
جثث النخيل علي الضفاف |
وقد تبدل حالها |
واستسلمت للموت حزنا.. والعدم |
شطآن غزه كيف شردها الخراب |
ومات في أحشائها أحلي نغم |
وطن عريق كان أرضا للبطولة.. |
صار مأوي للرمم! |
الآن يروي الهاربون من الجحيم |
حكاية الذئب الذي أكل الغنم |
: كان القطيع ينام سكرانا |
من النفط المعتق |
والعطايا.. والهدايا.. والنعم |
منذ الأزل |
كانوا يسمون العرب |
عبدوا العجول.. وتوجوا الأصنام.. |
واسترخت قوافلهم.. وناموا كالقطيع |
وكل قافلة يزينها صنم |
يقضون نصف الليل في وكرالبغايا.. |
يشربون الوهم في سفح الهرم |
الذئب طاف علي الشواطيء |
أسكرته روائح الزمن اللقيط |
لأمة عرجاء قالوا إنها كانت ـ ورب الناس ـ من خير الأمم.. |
يحكون كيف تفرعن الذئب القبيح |
فغاص في دم الفرات.. |
وهام في نفط الخليج.. |
وعاث فيهم وانتقم |
سجن الصغار مع الكبار.. |
وطارد الأحياء والموتي |
وأفتي الناس زورا في الحرم |
قد أفسد الذئب اللئيم |
طبائع الأيام فينا.. والذمم |
الأمة الخرساء تركع دائما |
للغاصبين.. لكل أفاق حكم |
لم يبق شيء للقطيع |
سوي الضلالة.. والكآبة.. والسأم |
أطفال غزه يرسمون علي |
ثراها ألف وجه للرحيل.. |
وألف وجه للالم |
الموت حاصرهم فناموا في القبور |
وعانقوا أشلاءهم |
لكن صوت الحق فيهم لم ينم |
يحكون عن ذئب حقير |
أطلق الفئران ليلا في المدينة |
ثم اسكره الدمار |
مضي سعيدا.. وابتسم.. |
في صمتها تنعي المدينة |
أمة غرقت مع الطوفان |
واسترخت سنينـا في العدم |
يحكون عن زمن النطاعة |
عن خيول خانها الفرسان |
عن وطن تآكل وانهزم |
والراكعون علي الكراسي |
يضحكون مع النهاية.. |
لا ضمير.. ولا حياء.. ولا ندم |
الذئب يجلس خلف قلعته المهيبة |
يجمع الحراس فيها.. والخدم |
ويطل من عينيه ضوء شاحب |
ويري الفضاء مشانقا |
سوداء تصفع كل جلاد ظلم |
والأمة الخرساء |
تروي قصة الذئب الذي خدع القطيع.. |
ومارس الفحشاء.. واغتصب الغنم |
*** |
ارحل وعارك في يديك |
مازلت تنتظر الجنود العائدين.. |
بلا وجوه.. أو ملامح |
صاروا علي وجه الزمان |
خريطة صماء تروي.. |
ما ارتكبت من المآسي.. والمذابح |
قد كنت تحلم أن تصافحهم |
ولكن الشواهد والمقابر لا تصافح |
إن كنت ترجو العفو منهم |
كيف للأشلاء يوما أن تسامح |
بين القبور تطل أسماء.. |
وتسري صرخة خرساء |
نامت في الجوانح |
فرق كبير.. |
بين سلطان يتوجه الجلال |
وبين سفاح تطارده الفضائح |
*** |
الآن ترحل غير مأسوف عليك |
في موكب التاريخ سوف يطل وجهك |
بين تجار الدمار وعصبة الطغيان |
ارحل وسافر.. |
في كهوف الصمت والنسيان |
فالأرض تنزع من ثراها |
كل سلطان تجبر.. كل وغد خان |
الآن تسكر.. والنبيذ الأسود الملعون |
من دمع الضحايا.. من دم الأكفان |
سيطل وجهك دائما |
في ساحة الموت الجبان |
وتري النهاية رحلة سوداء |
سطرها جنون الحقد.. والعدوان |
في كل عصر سوف تبدو قصة |