حتى
يوم الجمعة الماضي كانت ثورة 25 يناير ملكاً لكل المصريين، ولم يجرؤ أي
حزب أو جماعة على أن ينسب نجاح الثورة لنفسه رغم أن كثيرين كانوا –
ولازالوا - يركبون الموجة تحت عباءة الشباب أصحاب الحق الأول والرئيسي ،
الجميع اختبأ ورائهم .. وحتى من شاركوهم منذ البداية لم يعلنوا عن أنفسهم.
لكن المشهد في ميدان التحرير يوم جمعة الاحتفال بالنصر ألغى هذه الفكرة
وبدأت الأمور تفلت من يد الشباب لتنتقل سلطة الثورة ليد فصيل آخر وهم
الإخوان الذين ظهروا وكأنهم المنظمون للحفل وكانت لهم الكلمة الأولى في كل
شيء، قد يكون حدوث هذا مرتبطا بكون الإخوان الجماعة الأكثر تنظيما في
الميدان، أو لأنهم لديهم قيادة يدين لها جميع الأعضاء بالولاء وبالتالي
فقوتهم وتفكيرهم متوحد.
عدد كبير من المحللين السياسيين والمتابعين لما يحدث في مصر أكدوا في
كتاباتهم أن الثورة بدأت تتحول من ثورة نقية ليس ورائها أي أهداف حزبية أو
تكتلات، إلى ثورة تقودها جماعة الإخوان المسلمين، والتي كانت تسمى قبل
الثورة بالجماعة المحظورة، وبالتالي يعود الفضل للثورة والتي ساعدت في
كونها كياناً شرعياً متواجداً بالفعل ويؤمن الجميع بشرعيته ..بدليل تواجد
أحد أفراد الجماعة – حتى ولو نظرياً - في اللجنة المشكلة لتعديل الدستور،
وبالتالي ظهر مصطلح جديد أطلقه المحللون السياسيون اسمه "أسلمة الثورة"،
فهل فعلا ركب الإخوان الثورة وسيتولون قيادة أمورها، وستتحول لثورة
إسلامية؟
الدكتور عبد الرحيم علي الخبير في شئون الإخوان المسلمين بمركز الدراسات
الإستراتيجية والسياسية بالأهرام يحلل لنا ما يحدث قائلاً : المشهد في
ميدان التحرير يوم الجمعة الماضية أقل ما يوصف به أنه " مفزع " ، فلقد تحول
ميدان التحرير لساحه للصلاة، ومع احترامنا وتقديسنا لصلاة الجمعة، إلا أن
هذا الميدان ومن ذهبوا للتظاهر فيه لم يذهبوا للصلاة، ذهبوا للتعبير عن
أرائهم وأفكارهم واعتراضاتهم، من يذهب للتحرير ليس فقط مسلماّ، فهناك
الأقباط الذين أكدوا من بداية الثورة أن المسلمين والمسيحيين في هذا الوطن
نسيجا واحدا حقيقيا ، فاليوم لا حاله فتنه طائفية واحدة، لم تمس كنيسة رغم
غياب أو إنعدام الأمن في كل محافظات مصر، لماذا تضيعون إنجاز عظيما من أهم
إنجازات الثورة، لماذا تحول الميدان لخطبه طويلة للشيخ يوسف القرضاوي مع
شديد تقديرنا واحترامنا له؟ لماذا يقف إلي جواره علي منصه التحرير الشيخ
صفوت حجازي وبعض المشايخ وبعض أعضاء جماعه الإخوان المسلمين يلتفون حوله
مانعين أي شخص آخر من الصعود؟ كأن الميدان ميدانهم والثورة ثورتهم لدرجة
أنهم منعوا وائل غنيم الذي يعد رمزاً من رموز شباب هذه الثورة سواء اختلفنا
أو اتفقنا علي وطنيته، والدور الذي قام به، فبعد منعه من الصعود لإلقاء
كلمة للشباب شعرنا باستحواذ الإخوان أو التيار الديني على الثورة.
وأضاف د . عبد الرحيم قائلا: ليس المصريين الأقباط فقط هم الذين كانوا من
الممكن أن يشعروا بغربة في ميدان التحرير بل المصري الشيوعي والمصري
الماركسي، فالصلاة مكانها الأزهر والحسين، ولهذا كنا جميعاً معجبين بفكره
أننا نصلي ثم نخرج لميدان التحرير بعد صلاة الجمعة كل الأسابيع الماضية ،
ماذا حدث هذه الجمعة؟!، فخطبه الشيخ القرضاوي أقلقت الكثير من المحللين،
لماذا دعا إلي الصلاة في القدس؟ لماذا طرح القضية الفلسطينية وحث بين طيات
كلماته علي السعي لتحرير فلسطين منطلقاً من منظور ديني؟ هل تحولت مطالب
الثورة لمطالب دينيه؟، بهذه المطالب بعدنا عن إسقاط النظام، وتطهير البلاد
وغيرها من المطالب المشروعه لثوار 25 يناير والتي خرجوا من أجلها الأسابيع
الماضية، لماذا محاوله إحداث هذا التحول في مطالب شباب 25 يناير؟، ألم يفكر
الشيخ القرضاوي أنه بهذه الدعاوي التي هي الأخري مشروعه وحلم لكل مسلم،
لكننا لسنا بصددها الآن، نحن بصدد بلد علي وشك الدخول في فوضي وانهيار،
ارحموا مصر الآن، هل مصر والمصريون قادوين ومطالبون بحل القضيه الفلسطنية
وتحرير القدس الآن ؟ ألم يتخيل الشيخ القرضاوي أنه بهذه الدعوي قد يفتح
علينا نار إسرائيل وندخل في حروب خشية أن يسعي المصريون لتحرير فلسطين ،
وكلامي هذا ليس تنصلا من القضية الفلسطينية، لكن لكل مقام مقال، هذا غير
أنه لا هذا الوقت ولا المكان ولا الأشخاص الذين بدورهم عليهم حل هذه
القضايا السياسية والإقليمية والعربية، كما أنه ظهرت نداءات جديدة في
الميدان، وهي عدم المساس بالمادة الثانية من الدستور، والتي تنص علي أن
الشريعة الإسلامية هي المصدر الأساسي للتشريع، بالرغم من أنه لم يتطرق أحد
لهذه المادة، أم أن هذا الكلام محاولة للتأكيد أن مصر دولة إسلامية وليست
مدنية، فالواقع يقول أن مصر دولة مدنية، وهذه المادة ليست محل نقاش وحتي
البابا شنوده نفسه اعترف بها وقال إنه ليس لديه أي اعتراض عليها فلماذا إذن
التركيز عليها الآن، وبالتالي فمشهد ميدان التحرير يوم الجمعة هو مقدمه
حقيقية للسعي للدولة الإسلامية في مصر، ما حدث إشارة واضحة بأن الإخوان
يتحركون وبسرعة وبذكاء وأكبر دليل هو إعلانهم عن الاستعداد لإنشاء حزب
للإخوان المسلمين، مع الاحتفاظ بالجماعة كهيئة قائمة مع أن هذا دستورياً لا
يجوز.
وأختتم د. عبد الرحيم كلامه قائلا : علي الإخوان الآن تحديد موقفهم من
قضايا مهمة، فلو هم أعلنوا أنهم حزب مدني وليس دينيا يحمل اسم الاخوان
المسلمين فعليهم أن يحددوا موقفهم من الدولة المدنية الآن، ويحددوا موقفهم
من الأقباط والمرأة، فهم من قالوا لا نريد رئيساً قبطياً ولا إمرأة تحكمنا،
وعليهم أن يحددوا موقفهم صراحة من الحريات الدينية في مصر، عليهم أن
يختاروا بين الجماعة والحزب، فلا يجوز دستورياً ولن نسمح لهم أن يلعبوا هذه
اللعبة، وعلي شباب مصر الذي قام بالثورة ألا يسمح لأي تيار بأن يقفز على
ثورته، وعلى أعضاء الأحزاب والحركات السياسية، وعلي عقلاء وحكماء هذا الوطن
الوقوف عنذ المشهد وتحليله وفهمه جيدا والتصدي لأي محاولات قد توصل البلاد
لحالة من الفوضي والفتنة .