الهجرة معناها الانتقال من دار إلي دار أو من مكان إلي مكان ولم تكن هجرة النبي وأصحابه
من أجل منفعة دنيوية
أو من أجل مصلحة شخصية
أو من أجل الخوف علي النفس أو المال
وإنما كانت من أجل إعلاء كلمة الحق
ونشر دين الله تعالي في الأرض. والبحث عن بيئة تزدهر فيها دعوة الإسلام.
لقد مكث النبي في مكة بعد البعثة ثلاثة
عشر عاما
تعرض خلالها لألوان من الترغيب والترهيب ولألوان من المساومة والمقاطعة ولألوان من الإيذاء والاضطهاد
ولم يؤمن معه في تلك الفترة الطويلة من مشركي قريش سوي عدد قليل. فكانت تربة مكة غير كافية لنماء الدعوة الإسلامية
فبحث عن بيئة أخري وعن تربة أخري تكون أكثر ازدهارا للإسلام
وكانت هذه البيئة هي المدينة المنورة التي وصل إليها الإسلام قبل هجرته إليها بثلاث سنوات
وكان في كل يوم يزداد انتشارا حتي إذا ما وصل الرسول إليها كان الإسلام قد بلغ كل بيت من بيوتها واستقبلت المدينة المنورة النبي - صلي الله عليه وسلم - وأصحابه بالبشر والترحاب
ولم تكن الهجرة مقصورة علي فريق دون فريق وإنما كانت عامة وشاملة
فقد هاجر الأغنياء والفقراء وهاجر الأقوياء والضعفاء وهاجر الشباب والشيوخ وهاجر الرجال والنساء
لم تكن علامة ضعف المسلمين حين هاجروا من مكة إلي المدينة
فقد كانت هذه الهجرة لأنهم لم يجدوا مؤمنين بدينهم في مكة يساوون عظمة الرسالة وقدسيتها وإشارتها إلي أنها خاتمة الأديان
وهكذا الأفكار العظيمة يجب أن تقتدي بهذه العقيدة التي شاء الله أن يجعلها خاتمة للرسالات التي بعث بها أنبياءه إلي البشرية
فقد كانت الرسالتان السابقتان عليها وهما اليهودية والنصرانية مقدمة مشتركة للإسلام علي بعد ما بينهما من فترة زمنية حاد الناس فيها عن عقيدة السماء وانحرفوا عن رسالة الله التي بعث بها أنبياءه السابقين
ولذلك فإن رسالة الإسلام كانت ضرورية للبشرية تدعو الناس إلي عبادة الله وحده لا شريك له وهو الإله الواحد الذي لا تشوبه تجزئة في الذات ولا في الفكرة التي بعث بها أنبياءه ليتجه الناس إلي عبادة الله وحده
ومن هنا نفهم ما ينسب إلي الرسول الخاتم في قوله: "أنا دعوة أبي إبراهيم وبشارة أخي عيسي"
وقد ورد في القرآن الكريم ما يشير إلي هذه الدعوة وهذه البشارة معاً وذلك الآية "129" من سورة البقرة
والآية السادسة من سورة الصف
حين يقول الله في الآية الأولي علي لسان سيدنا إبراهيم "ربنا وأبعث فيهم رسولاً منهم يتلو عليهم آياتك ويعلمهم الكتاب والحكمة ويزكيهم..."
ويقول في الآية الثانية: "وإذ قال عيسي بن مريم يا بني إسرائيل إني رسول الله إليكم مصدقاً لما بين يدي من التوراة ومبشراً برسول يأتي من بعدي اسمه أحمد..."
وأحمد اسم من أسماء الرسول محمد وورد أمر الرسالة الخاتمة في كتب الأنبياء السابقين علي الإسلام دليل علي أنه سيكون هو المرجع الأخير لدين الله الذي أنزله علي رسله جميعاً
وجاء ختامه في رسالة النبي
وكون الإسلام هو ختام دين الله في شتي بقاع الأرض علي السنة مسلمين في كل هذه البقاع
وليست هناك دولة في أية قارة من قارات الأرض إلا وفيها مسلمون يشهدون أنه لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله
وإن أي إحصاء نوعي لهؤلاء الناس يثبت ذلك وقد يكون ذلك
ميسوراً في موسم واحد من مواسم الحج أو في عدد متقارب من مواسمه
ليس غريباً أن تتداعي هذه المعاني علي الأذهان ونحن نعيش ذكري الهجرة من مكة إلي المدينة
والتي لم تكن علامة ضعف للإسلام وإنما كانت علامة قوة
فالمهاجرون وهم أول نوعية في تاريخ البشرية تهاجر بعقيدتها من ديار يلحقهم فيها الأذي إلي ديار ترحب بهم وتنتصر لهم
وكانت مقدمة هذه الهجرة في بيعتين هما بيعة العقبة الأولي وبيعة العقبة الثانية
وهما بيعتان لهما شأن عظيم في قوة الإسلام وهجرة المسلمين من مكة إلي المدينة
ثم في هجرة الرسول بعد أن اطمأن إلي أمر المسلمين في يثرب المدينة
وقد وصفت الهجرة علي ألسنة المؤرخين بأنها كانت نصراً للإسلام عظيماً وليست تعبيراً عن ضعف المسلمين في مكة
وذلك لأن الفتوحات الإسلامية أخذت تتوالي بعد نحو عامين من الهجرة ابتداء بغزوة بدر وما تلاها من الغزوات المحمودة المنتصرة حتي جاء فتح مكة ليضع أوزار الحرب بين المسلمين وقريش التي اعتزت بالإسلام وانتصرت به
هكذا نري أن الهجرة لم تكن من أجل مغنم من المغانم
أو من أجل مطلب من المطالب الدنيوية وإنما كانت من أجل نصرة الدين
من أجل إعلاء كلمة الله ومن أجل انتشار الإسلام في أرض الله الواسعة
من أجل إحقاق الحق وإبطال الباطل من أجل التعاون علي البر والتقوي لا علي الإثم والعدوان
ولنأخذ من هجرة الرسول درس نقتدى به فى حياتنا العامه وتعاملنا مع الاخرين
وكل عام والامه الاسلاميه جميعآ بخير